يتحرى الدرب السليم .. ويتقي المفاسد .. ولا تمشي أقدامه إلا فوق البساط النظيف .. ينادي بالحق في كل صغيرة وكبيرة .. ويغضب ويبكي إذا خرجت الأمور عن جادة الصواب .. الموازين منصوبة لديه لإحقاق الحق ولترجيح الكفوف الظالمة .. وفي قواميسه تخلو كلمات الظلم والإجحاف والاعوجاج .. ذلك الإنسان بتلك الصفات يعيش منفرداَ في عالم اليوم .. ويبتعد عنه الناس ويجافونه كالبعير المجرب .. لأن تلك الصفات تعارض المصالح والمنافع الذاتية براَ وبحراَ وجواَ .. فهناك عالم اليوم حيث الشعار المرفوع فيه هو : ( بارك الله فيمن نفعواستنفع ) .. ومعاني النفع هنا تختلف عن المعاني التي يرمي إليها الدعاء .. فهنا المنفعة المعنية هي المنفعة الذاتية المتبادلة على حساب مضرة لجهة من الجهات .. عالم موبوء بالتناقضات .. حيث عالم المكر والدهاء .. ومن لا يساير تلك المتناقضات يجد نفسه غير مرغوباَ في سلة تعج بالمفسدات .. أقصى درجات المتناقضات العجيبة .. فهناك من يجتهد ليصطاد الصيد المصطاد .. وهناك من يجتهد ليمتلك الملك المملوك .. وهناك من يجتهد لينهب المال الموفور وكذلك ينهب المال المنهوب .. لص يجتهد ليسرق لصـاَ !! .. وهناك من يجتهد ليخطف اللقمة من أفواه الأيتام .. وهناك من يجتهد لينال العرش حتى ولو كان الوصول لذلك العرش فوق جماجم القتلى الأبرياء .. وهناك من يتشبث بكرسي الحكم حتى الرمق الأخير برفقة أقلية من الأحياء على حساب أكثرية ترحل للقبور .. وتلك المجتمعات الموبوءة حينما تتوفر فيها الأرضيات الفاسدة بالكثرة الغالبة فإن الظاهرة تتفشى كالنار في الهشيم في كل المسارات .. وكل ذلك يجري كالماء الذي ينساب تحت كومة العصف في خفاء شديد .. ذلك الماء الذي يتحرك خلسة تحت أرضيات القش بصمت القبور .. والأحوال في الظاهر تبدو للعالم كأنها نظيفة خالية من العيوب .. دون إشارات تشكك أو علامات تخدش الذمم .. تلك الذمم التي تغطيها قناع الزيف الخادعة .. وفي مثل تلك البيئات الموبوءة فالإنسان المستقيم عادة تفوته قطارات الترقيات والمناصب العليا .. حيث أنه لم يجاري الموضة السائدة ولم يتنازل لينفع ويستنفع .. وهؤلاء وأمثالهم يركنون ويهملون في الزوايا الهامشية .. حيث يمثلون المواطئ تحت مداس المتسلقين والمنتفعين .. أصحاب الضمائر الفالتة .. الذين يتعاملون بعملات الواسطة والمحسوبية .. أصحاب شعار ( الخدمة مقابل خدمة ) .. والمحصلة الأخيرة لتلك الأخلاقيات الهابطة أن تمنع تلك الضمائر النظيفة والعقول المؤهلة العالية من الوصول لتلك القمم الهامة التي تشرف على مصالح الناس .
...........وفرضية المحصلة في النهاية هي تلك القمم الهزيلة التي تكون بمثابة الرأس المفكر المدبر الذي يدير دفـة وشئون الناس في المجتمعات .. قمم غير مؤهلة ثقافياَ أو علمياَ أو أخلاقياَ أو سلوكياَ .. وغير مدربة على التعاملات الراقية من وازع أخلاقي أو ديني قـوي .. بل هي تلك القمم المشبوهة المشوهة المولودة من أرحام المفاسد والدونيات .. تلك القمم التي تثير الشفقة والضحك حيث الضحالة في تفكيرها وسلوكياتها وتصرفاتها .. ثم هي كما يتوقع منها تقود المجتمعات إلى الهاوية والمهالك .. حيث التخبط في الاجتهادات .. أو القرارات العشوائية المنصبة في بؤرة المهازل .. ويقال ( إذا كان الغراب دليل قوم يمر بهم على جيف الكلاب ) .
.................................وليست بالضرورة أن تكون المعني بالقمة هي السلطة أو الرئاسة .. ولكن المعني هو أي موقع يهتم بشئون الناس ويكون في قيادته ذلك النوع الغير مستحق من البشر .. والمجتمعات كلها فيها مواقع الخدمات والمصالح .. تلك المواقع في الدول النامية عادة في قممها يتواجد من تسلق إليها نفاقاَ وعلى حساب الكوادر المؤهلة القادرة التي لم تتاح لها الفرص .. تلك الكوادر العالية التي تمتلك مهارات الابتكار والتجديد والبناء ثم تكون خارج الصورة .. ليحل محلها المتسلقون الغير مؤهلين .. فتعاني المجتمعات بسبب قممها الهزيلة من محنة القرارات البدائية الروتينية المملة الخالية من علامات الحداثة والتقدم .. وديان من الظلام القاتم كانت تكفيها شمعة واحدة لتكون على البصيرة .
الموضوع الأصلي :
شمعـــــــــــــة فــــــــي وديــــــــــان الظـــــــــلام !! المصدر :
عالم العرب الكاتب:زعامة الاشراف العــام