الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واعترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله
فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
قل هو من عند أنفسكم
كتب:د. حمد بن إبراهيم العثمان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالذي لا مرية فيه، أن الله قادر على نصر رسوله صلى الله عليه وسلم ونصر أوليائه من غير قتال منهم للكفار، كما قال تعالى: ( ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم) (محمدـ 4)، ولكن الله عز وجل له سنة في خلقه يبتلي بسببها أهل الهدى بأهل الضلال، وأهل الحق بأهل الباطل، وأهل الإيمان بالكافرين، كما قال تعالى: ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
والله عز وجل سنته معلومة في أن ينصر من نصره كما قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم)، ولذلك هُزم الصحابة يوم أحد والرسول صلى الله عليه وسلم قائدهم بسبب ما وقع منهم من المخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نزل الرماة من الجبل استعجالا لإدراك الغنيمة، فظهر عليهم العدو، كما قال تعالى: (أوَلما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) (آل عمرانـ 165).
ومشكلة بعض المسلمين في هذا العصر أنه يريد حصر المخالفة لله ورسوله في المعصية، أي: الشهوة فقط دون المخالفة فيما هو أعظم من الشهوات ألا وهو البدع والشبهات والضلالات والأهواء.
وقد جمع الله نوعي المخالفة (الشهوات والشبهات) في آية واحدة، في قوله تعالى (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا) (التوبةـ 69).
قال ابن القيمـ رحمه اللهـ :«إنه سبحانه جمع بين الاستمتاع بالخلاق، وبين الخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يقع بالاعتقاد الباطل، والتكلم به، وهو الخوض، أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب، وهو الاستمتاع بالخلاق، فالأول: البدع، والثاني: اتباع الهوى، وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء، وبهما كُذبت الرسل، وعُصي الرب، ودُخلت النار، وحلت العقوبات، فالأول: من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات» (بدائع التفسيرـ 2/367).
ومن له قراءة شرعية صحيحة لأثر ظهور الأعداء على المسلمين في تاريخ الإسلام بسبب البدع علم خطورة البدع في إفساد الدين والدنيا، بل إن بعض البدع المغلظة أسقطت دولا إسلامية كبيرة، كانت ذا عز ومنعة وغلبة وظهور.
ولعلي أضرب مثالين يتبين منهما القارئ عظم شرر البدع وأثرها في إسقاط دول المسلمين وظهور الأعداء عليهم.
المثال الأول: زوال خلافة بني أمية، فإنهم كانوا على السنة، ولكن ظهر في أواخر خلافتهم الجعد بن درهم وظهرت بدعة تعطيل أسماء الله وصفاته، وتلقف هذه البدعة الجهم بن صفوان فأزال الله دولة بني أمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله- : «إن أول من عُرف أنه أظهر في الإسلام التعطيل الذي تضمنه قول فرعون هو الجعد بن درهم، فضحى به خالد بن عبد الله القسري، وقال: أيها الناس! ضحوا تقبل الله ضحاياكم، إني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقوله الجعد علوا كبيرا، ثم نزل فذبحه، وشكر له علماء المسلمين ما فعله، كالحسن البصري وغيره.
وهذا الجعد إليه ينسب مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء بني أمية، وكان شؤمه عاد عليه حتى زالت الدولة، فإنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسل انتقم الله ممن خالف الرسل» (مجموع الفتاوىـ 13/17).
المثال الثاني: ظهور التتار على المسلمين، فإن التتر المغربية ظهروا على المسلمين بسبب غدر المسلمين بهم، وقد تكلمت على هذا في مناسبات سابقة.
أما التتر المشرقية فقد ظهروا على المسلمين بسبب البدع، حيث أنهم أفسدوا عقائدهم بالبدع الكلامية وصاغوا الشريعة الإسلامية،شريعة التوحيد، صياغة فلسفية.
قال ابن دقيق العيدـ رحمه اللهـ : «إنما استولت التتار على بلاد المشرق لظهور الفلسفة فيهم، وضعف الشريعة» (مجموع الفتاوىـ 2/245ـ246).
وبهذا يتبين عظم خطر البدع وحاجة المسلمين الضرورية لنشر العلم الصحيح، ولا بد أيضا من التنبيه على أن بعض من ينتسب إلى الدعوة عوضا أن يقوم بواجب إصلاح عقائد المسلمين، نراه يسارع في تثبيت البدع، وإقرار أهلها عليها، وأعظم من ذلك من يحارب دعاة السنة إذا قاموا بواجب النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فهؤلاء من أسباب تقهقر المسلمين وذلتهم وظهور الأعداء عليهم.
اليهود المعتدون الغاصبون لا يشك أحد في كفرهم، وهم مع كفرهم ليسوا معاهدين مسالمين، بل هم حربيون معتدون، وقد ذكر الله قبائحهم في القرآن الكريم على وجه التفصيل، فمن أعظمها قتل الأنبياء وتحريف كلام الله، وعبادة العجل، والشرك بالله، وادعاء أن عزير ابن الله،ورموا مريمـ عليها السلامـ بالفاحشة، وكفروا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه عربي مع أنهم يعرفون أنه رسول الله حقا وصدقا كما يعرفون أبناءهم، وافتروا على الله أعظم الفري حيث قالوا إن الله فقير وهم أغنياء، وقالوا يد الله مغلولة، إلى غير ذلك مما هو معلوم من قبائحهم.
لا أحد يشك في هذا كله، والقرآن ولله الحمد محفوظ يقرأه المسلمون، ويجدون نعت الله لليهود بهذه القبائح واضحة جلية لكل من يخاف الله، قال تعالى: ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون) (التوبةـ 30).
فما بال أقوام يسارعون إلى زعزعة هذه الثوابت وإفساد عقائد المسلمين مع أشد الناس عداوة لنا، قال تعالى: ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا).
إذاً فعداوة اليهود لنا عداوة دينية منشأها فساد دينهم، وكراهيتنا لهم كراهية دينية منشأها شركهم بالله، وقتلهم الأنبياء، وعبادتهم العجل، وقولهم على مريمـ عليها السلامـ بهتانا عظيما، إلى غير ذلك من قبائحهم.
وبذلك نستغرب ما قاله الداعية حسن البناـ رحمه اللهـ حيث قال:«إن خصومتنا لليهود ليست دينية، لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقاتهم»، (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخـ 1/409).
ونستغرب كذلك ما قاله الضيف الأفريقي الوافد إلينا في أحد المؤتمرات «اليهود إخواننا»، وأعجب من ذلك عناده وكبره وإصراره على عبثه وتحريفه للنصوص حيث لا تُعرف الأخوة إلا أخوة الدين والنسب، وكلاهما منتفيان عن اليهود، قال تعالى: ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة فإخوانكم في الدين)، ثم صار يتلاعب بالنصوص، ويزعم أنه أراد «أخوة الإنسانية»!!
أي إنسانية لقتلة الأنبياء والنساء والصبيان، ومن يرى غيره دونه وأنهم خدم له.
لو كانت مجازر صبرا وشاتيلا، ودير ياسين، حاضرة في قلبه لما تفوه بهذا الهذيان، ومجزرة قانا الأخيرة لم تُحرك ساكنا ليتراجع عن قوله «إخواننا اليهود»، نعم هم إخوانك أنت ومن هو على شاكلتك، أما نحن فحسبنا كتاب الله (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا).
وأعجب من ذلك ما قاله زميله الآخر: «إن الله لم يُكفر أهل الكتاب في القرآن»، واليهود من أهل الكتاب، فما أدري ماذا سيفعل بقوله تعالى (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم) وقوله تعالى (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة).
ثم مع ما فعل هؤلاء من زعزعة العقيدة في نفوس المسلمين نراهم اليوم يصرخون بأن الأمريكان هم الذين يعينون اليهود على دماء وديار المسلمين، وإنهم يتآمرون لرسم خريطة جديدة بالشرق الأوسط.
وهذا من التناقض الصارخ الذي يبعث على الارتياب حقيقة في مواقف هذا الحزب!!
هل صراخهم الآن في وجه أمريكا لنصرتها لليهود على لبنان ديانةً؟! أو هو تكسب سياسي وتلاعب بعواطف المسلمين وتوظيف ذلك لزيادة رصيدهم الشعبي؟!
يجب أن ننظر لمواقف هذا الحزب كصورة واحدة في جميع المتغيرات السياسية التي تقوم بها أمريكا لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
لنبدأ أولا بأفغانستان، فــ «بن لادن» باعتدائه على أمريكا أعطى الفرصة للأمريكان ليحتلوا أفغانستان، وبن لادن وأتباعه لا للإسلام نصروا ولا للأمريكان كسروا.
ولا ينسى مسلم الدور المشبوه الذي قام به الإخوان المسلمون في أفغانستان في تمكين الأمريكان من احتلال أفغانستان والنيل من دمائهم، دور عبد رب الرسول سياف، وبرهان الدين رباني.
فالمسلم الحق يصون يديه عن دماء المسلمين وحرماتهم، ويخشى من سوء المآل والعاقبة، قال جندب البجليـ رضي الله عنهـ : «ليتق أحدكم أن يحول بينه وبين الجنة ملء كف دم مسلم» (التاريخ الأوسط للبخاريـ 1/179).
وكذلك الدور المشبوه للإخوان المسلمين في العراق، وتحالفهم مع الأمريكان في تشكيل أول حكومة يصنعها الأمريكان بعد الإطاحة بالطاغية صدام حسين.
وها هو مسؤول جماعة الإخوان بسورية يغازل الأمريكان واليهود لعلمه بنيتهم تغيير النظام، فيسارع مسؤول الإخوان البيانوني بمغازلة اليهود ويُعلمهم ألا مانع لديه من مصالحة اليهود، فلسان حاله يقول: لن أكون خطرا على إسرائيل.
وبهذا يتبين أن إنكار الإخوان لفتاوى الصلح مع اليهود ليس ديانة فهم يسارعون إلى طلبه من اليهود مع أنه ليس لهم أي ولاية في سورية أصلا.
فأمة تستغفلها هذه الأحزاب هل تستحق النصر؟!
الأمر خطير جدا، فجراحات ودماء المسلمين ليست غرضا للتكسب السياسي، والعصمة في سلامة أيدينا عن دماء المسلمين.
والحمد لله رب العالمين