الفَرَزْدَق
(000 ـ 110 هـ = 000 ـ 728 م)
هَمّام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، الشهير بـ الفرزدق: شاعر، من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة، كان يقال: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس. يشبه بزهير بن أبي سلمى. وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى، زهير في الجاهليين، والفرزدق في الإسلاميين. وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر أبيه ـ وكان أبوه من الأجواد الأشراف ـ وكذلك جده. وفي شرح نهج البلاغة: كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء والأمراء إلا قاعداً، وأراد سليمان بن عبد الملك أن يقيمه فثارت طائفة من تميم، فأذن له بالجلوس! وقد جمع بعض شعره في (ديوان) ومن أمهات كتب الأدب والأخبار (نقائض جرير والفرزدق) ثلاثة مجلدات. كان يكنى في شبابه بـ أبي مكية، وهي ابنة له. ولقب بـ الفرزدق، لجهامة وجهه وغلظه. وتوفي في بادية البصرة، وقد قارب المئة. وأخباره كثيرة. وكان مشتهراً بالنساء، زير غوان، وليس له بيت واحد في النسيب مذكور. وقال المرتضى: كان يحسد على الشعر ويفرط في استحسان الجيّد منه. ومما كتب في أخباره (الفرزدق) لخليل مردم بك، ومثله لحنا نمر، و لفؤاد افرام البستاني.
مناسبة القصيدة
حكاية
قال أبو الفرج الأصبهاني: حدثني بن محمد بن الجعد ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا محمد بن
زكريا العلاني قال: حدثنا ابن عائشة قال: حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه
ومعه أهل الشام فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس، فنصب له منبر فجلس
عليه ينظر إلى الناس، فأقبل زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما، وهو أحسن
الناس وجهاً، وأنظفهم ثوباً؛ وأطيبهم رائحة، فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر تنحى الناس
كلهم له وأخلوا الجحر ليستلمه، هيبة له وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه، فقال رجل
لهشام: من هذا أصلح الله الأمير؟ قال: لا أعرفه، وكان به عارفاً، ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه. فقال الفرزدق، وكان لذلك كله حاضراً: أنا أعرفه فسلني يا
شامي من هو، قال: ومن هو؟ قال:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ ،
وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ اللـه كُلّهِمُ،
هذا التّقيُّ النّقيُّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ،
بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ اللـه قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه،
العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجَمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا،
يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ،
يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا،
حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُدِهِ،
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَتْ
عَنْها الغَياهِبُ والإمْلاقُ والعَدَمُ
إذا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها:
إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه،
فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ،
من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شمَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفان رَاحَتِهِ،
رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ
اللـه شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ،
جَرَى بِذاكَ لَهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ،
لأوَّلِيَّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ
مَن يَشكُرِ اللـه يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا؛
فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ
عَنها الأكفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لـهُ؛
وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ اللـه نَبْعَتُهُ،
طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غُرَّتِهِ
كالشمسِ تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
مِنْ مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ
كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنْجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ اللـه ذِكْرُهُمُ،
في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ،
أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: همُ
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعْدَ جُودِهِمُ،
وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ،
وَالأُسدُ أُسدُ الشَّرَى، وَالبأسُ محتدِمُ
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛
سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ،
وَيُسْتَرَبُّ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
الموضوع الأصلي :
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ المصدر :
عالم العرب الكاتب:امين