الزهرات الثلاث
بقلم الزهرات الثلاث د. أيمن الجندى ٥/ ١١/ ٢٠١٢
يُحكى أنه فى العصور القديمة كانت الملائكة تقاسم الإنسان الحياة على الأرض.
فى طفولة البشرية، قبل أن يستفحل الشر، كانت الملائكة تعلم البشر الحب، وكان السلام يعم الأرض.
ويُحكى أن الأرض دارت حول نفسها مرات. كبرت الأشجار، ونضج الإنسان.
حينئذ قررت الملائكة أن الوقت قد حان ليغادروا الأرض، ويتركوا الإنسان يخط أقداره فى كتاب الحياة.
وذات صباح حزين طفت فوق السماء سحابة عظيمة حجبت نور الشمس. شاهد البشر الملائكة الطيبين وهم يستعدون للرحيل.
صرخوا. بكوا. توسلوا. ناشدوا. لكن الملائكة ابتسموا بلطف، وقالوا لهم: «إن الأرض فى الأصل مخلوقة للإنسان».
وشرعوا يوصون الناس بالحب: «الحياة قصيرة فصلوها بالحب. الحياة فارغة فاملأوها بالحب. الحياة ضنينة فتعهدوها بالحب».
شرعوا يستمعون إلى الملائكة والدموع ترطب وجوههم، ثم دنت الغمامة جدا حتى قاربت الأرض
فبدأت الملائكة تطير الواحد تلو الآخر بأجنحتهم الفضية، وهم يلوحون بأيديهم
حتى لم يعد متبقيا على الأرض سوى «سيد الملائكة»، الذى انحنى على الأرض وزرع ثلاث زهور:
زهرة زرقاء ترمز للعمل، وزهرة بيضاء ترمز للأمل، وزهرة حمراء ترمز للخجل.
وقال «سيد الملائكة» وهو يرفرف بجناحيه: «اعتنوا بهذه الزهور الثلاث، فإنها تكفل للأرض السلام». ثم طار وهو يلوح لهم برقة وحب.
وبدأت الغمامة فى التحرك، وهم ينظرون إليها، حتى صارت نقطة فى الأفق، وبإرادة جماعية مشتركة تطلعت عيونهم صوب الزهرات الثلاث،
بعبيرها وألوانها ومعانيها، آخر ما تبقى من عهد الملائكة.
وفى الأيام التالية عمت الكآبة الأرض، واقتحم الحزن القلوب، لا يخفف منه سوى وجود الزهور الثلاث
التى كانت أول ما يتطلع إليه الناس فى الصباح وآخر ما يديمون إليه النظر قبل النوم.
وتبارى الشعراء فى نظم الأشعار تجاه المعانى الجليلة التى تمثلها الزهور الثلاث:
مجتمع فيه عمل وأمل وحياء، لهو فى خير حال.
ومرت السنون، وتتابعت القرون، والزهرات الثلاث على نضارتها تتحدى الزمان. ولكن فجأة استيقظ الناس على ثلاثة رجال يقفون بجوار الزهرات الثلاث.
قال الأول إنه سوف يقف بجوار الزهرة الزرقاء ليُذكّرهم بالعمل.
وقال الثانى إنه سيقف بجوار الزهرة البيضاء ليُذكّرهم بالأمل.
وقال الثالث إنه سيقف بجوار الزهرة الحمراء ليُذكّرهم بالخجل.
وشعر الناس بعدم الارتياح، لأنهم اعتادوا أن المعانى الجليلة تمثلها الزهور الجميلة
لكنهم قالوا لأنفسهم: «ما المانع؟ الزهور موجودة وهم أيضا موجودون».
وتعود الناس مع مرور الأيام على مشاهدة الرجال الثلاثة، وبدأت الزهور رويدا فى الشحوبوفجأة
وجدوا العمل يحمل سوطا ويهدد من يتقاعس بلذعة السياط. وارتدى الذى يمثل الأمل السواد.
أما راعى الخجل فحمل العصا وشرع يلهب الأجساد.
وبمرور الأيام ذبلت الزهور.
استسلم الناس للواقع وصدقوا أن العمل كرباج، والأمل سواد، والحياء قهر وإكراه.
وإلى اليوم لايزال الملائكة ينظرون إلى الأرض فى حزن، آسفين على عهد الزهرات الثلاث.
الموضوع الأصلي :
الزهرات الثلاث المصدر :
عالم العرب الكاتب:samour